شاءت الأقدار، أن يعيش المغرب فاجعة مؤلمة، أدت إلى دمار كبير لدواوير وقرى، نتج عنها عشرات القتلى والجرحى، في عدة مناطق من المغرب المنسي، في أعالي جبال الاطلس، حيث صعوبة المسالك ووعورة التضاريس، إذ يعتبر الوصول اليها بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر، وعلى الرغم من ذلك، انخرط المغاربة قاطبة في تضامن منقطع النظير شمل مختلف الأسر المغربية من أجل مساعدة المتضررين، فالكل تجند لتقديم العون، حيت جعل الإسلام مساعدة المحتاجين باباَ من أعظم أبواب الخير، لِما فيها من إدخال السرور على قلب المحتاج، وما بالك عندما تكون المساعدة في فاجعة مثل الزلزال.
لا يمكن لأحد أن يعرف كمية الحزن والألم الذي سكن قلوب المغاربة إثر هذه الفاجعة، وكل العالم شارك المغاربة هذا الحزن والألم، وكأن المغرب هو قلب العالم، مبعث فرح ومصدر حزن، ذلك أن المحن عموما، بقدر ما تؤلم بقدر ما تُظهر معادن الناس، وإذا كانت الدولة تصنعها الجيوش والأدوات فالأمة تصنعها الأحزان والأفراح، فقد شملت هذه التحولات، مختلف العلاقات الاجتماعية بتقاطعاتها السياسية والثقافية، كما أنها مست سلوك الأفراد والجماعات، وطرق عيشهم، وتصوراتهم للحياة والمجتمع والدين، وهذا التحول الذي هم التضامن في المغرب، يندرج ضمن إشكاليات التحولات الذي يعرفها المغرب اليوم، على مستوى السياسات العمومية الاجتماعية، فالمجتمع المغربي حاضر بكل قوة، لأن من أخلاقه الفاضلة وحبه للمساعدة والتكاثف من أجل الآخرين.
هناك في تلك القرى البعيدة، كل شيء صعب وقاس، لكن قلوب ساكنتها مفعمة بالحب والتسامح والسلام،
وهذا الزلزال له ظاهر وباطن، ظاهره رائحة الموت التي عمت الأرجاء والدمار الذي لخق الممتلكات، وباطنه كمية العاطفة المدفونة في قلوب المغاربة، والتي لا تظهر للعلن إلا في وقت الشدة، كأن المعاناة تصقل معدننا من أجل إبرازه اتجاه الفاجعة، بالتضامن والتآزر كأننا يدٌ واحدة، قلبا معطاء بالمشاعر بكل شيء.
المغاربة من مختلف الشرائح والاعمار، ساهموا في تقليل معاناة المتضررين من الزلزال، منهم من ساهم بالقليل، وفئة أخرى منحت الكثير، فليس من الضروري أن يكون العطاء كثير حتى نعطي ونساهم، فهذه هي فرصة لكل مغربي، ليعبر عن حبه لوطنه وشعبه، كأن هذه المحن تختبر عاطفتنا التي فقدناها في سائر الأيام، وغدا التعبير عن حب بعضنا البعض خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه والتعبير عنه، سوى في الاحزان والكوارث.
إن هذه المحنة فرصة للنظر إلى مغرب آخر، مغرب الغد، لأن المشهد أكبر وأكبر مما يتوقعه الجميع، فنحن نشاهد مشاهد عبر شاشات التلفاز ونثأتر بذلك فقط، لكن المشهد الحقيقي أعمق من ذلك، المشاهد مؤلمة والجرح لا يمكن أن يندمل، حيث سيبقى مفتوحا مدى الحياة، لأن هناك من فقد زوجته، ومنهم من فقد أسرته بكاملها، وهناك من بقي يتيما، وجثث تحت الأنقاض، والمزيد من الجروح ستبقى كالغصة في القلب، وهذا يدعونا جميعا للتأمل هذه الآيات والعلامات من أجل أن نصحح حياتنا فيها، لأنها ما أتت إلا للعبر والعظات.
علينا أن نعرف أن التضامن والتآزر مع بعضنا البعض يوطد العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع، وهذا يُعزز انتماء الأجيال القادمة للأمة والمجتمع، كما أنها تُساهم في تطور الوطن وتقدمه، وتُعزز من إنجازاته وتدعمها.
رغم أن الفاجعة موجعة ومؤلمة لكن قدر الله وما شاء فعل، لا يمكن لنا الاعتراض على شيء، فالله حكيم عليم فيما يقضيه ويقدره، وهذا لا يخرج عن كونه قدر من أقدار الله تعالى، كما أنه حكيم عليم فيما شرعه وأمر به، وهذا إن حدث فقد حدث لحكمة يعلمها الله، ولا يمكننا أن نقول أنه عقاب، قد يكون ابتلاءا من عنده سبحانه وتعالى، ولا يبتلى إلا المؤمن.
شاءت الاقدار وجرت مشيئة الله، وما علينا اليوم سوى الدعاء لموتانا بالؤحمة والمغفرة، والإيمتن بقضاء الله وقدره، فما بين طرفة عين وانتباهتها، يغير الله من حال إلى حال.
أمال أغزافي / تطوان بوست