بفضل منحة من اليونيسكو، تابع الفنان عبد السلام النوار تعليمه العالي بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسيل – بلجيكا، ثم بنفس الأكاديمية تعلم في شعبة فنون الديكور، وحصل على عدة ميداليات و ألقاب في مجال الرسم و الصباغة، وشارك منذ 1965 في عدة معارض داخل و خارج المغرب .
يشكل عبد السلام نوار لوحده مدرسة مستقلة في الصباغة الزيتية والاكريليك، نمط اشتغاله يروم بنائية اللون من خلال لمسات قوية ذات شحنة تعبيرية ذاتية، لكنها تشخيصية واقعية من حيث الموضوع و تيمات لوحاته.
عمل أستاذا للون والصباغة بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان ، التي تغير اسمها للمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، تتلمذ داخل مشغله بالمدرسة و المعهد، أجيال من الطلبة الذين تأثروا بطرائق صباغته التي تعكس و بشكل عميق مدرسة تطوان التشكيلية، لأن من تعلموا من الفنان الأستاذ عبد السلام ليس من كانوا داخل فصله فقط بالفنون الجميلة، بل منهم من لم يعلم أنه أمام منبع خصب للصباغة التشخيصية التطوانية مدرسة بيرتوشي بامتياز، و لم يأخذ منه أثرا يذكر، و هناك من شكلت رؤى معارضه التي كان يقيمها بالمكتبة العامة للمحفوظات و قاعة بيرتوشي التي تغيرت فيما بعد لقاعة المكي امغارة بتطوان، و غيرها من قاعات العرض بالمغرب و الخارج، الهاما و مبادئا أصيلة للمعرفة المتجدرة بفنون الصباغة الزيتية المتميزة في مدرسة نوار الفنية.
لا أسرد هذه السيرة من باب المجاملة و الاطراء الرخيصين ، بقدر ما أعترف أن الفنان عبد السلام نوار شكل بالنسبة لي شخصيا كرسام متواضع، أرضية لفهم حوكية و دينامية اللمسات الانطباعية و صباغة المحمول ، حتى أن استلهامي لتيمة واجهات معمارية و شرفات تطوان الكولونيالية، جاء من مشاهدة لوحاته المفعمة بحس الفنان المتيقظ القادر على تشخيص و توقيف اللحظة بتفاصيلها ببعض لمسات ضل وضوء .
عبد السلام نوار فنان عانى بدوره من آثار لوبي التشكيليين الذين شكلوا مجموعة سنيتها حينها ‘ نحن فنانين فقط و الفن لنا لا لغيرنا ‘ و التي جثمت بضلالها على مدرسة الفنون الجميلة بتطوان لسنوات ، تمجد من تشاء و تهمش و تنقص قيمة من تشاء، و ذالك حسب مقاربة ‘ هذاك صحبنا’ هذه المقاربة الخسيسة الظالمة التي طمست حقائق وهمشت طاقات واعدة و أخرى خلقت وازنة لكنهم ابخسوا مجهوداتها ليضلونها عن قصد و عبر مؤامرات مفضوحة خارج دائرة الاختيارات و الاهتمامات المتمركزة بالرباط و الدار البيضاء، حول فناني المغرب و الشمال تحديدا ، و الدليل أن الفنان الكبير عبد السلام نوار تمت عملية اخراجه من دائرة الاستفادة من المعارض و البينالات و غيرها من الامتيازات التي كانت تدور حول لائحة نفس الأسماء المتكررة خلال اربعة عقود، و التي كانت تضيف حسب مزاج اللوبي المعروف محليا و وطنيا ، و الذي مع الأسف ما زال ينتج و يهمش لحدود كتابة هذه السطور بالرغم من بعده الجسدي عن مراكز القرار الثقافي ، و اتذكر من خلال مرحلة قصيرة عملت كأستاذ زائر في مواد اللون و الصباغة و الصباغة المائية و بطلب من إدارة المعهد الوطني للفنون الجميلة ، شهدت شجارات و مشاحنات في اجتماعات و بفضاءات المعهد اثبت لي جليا ما يعانيه كل من كان يخالف توجهات و اختيارات فوضوية لها آثار وخيمة على سمعة و مستوى مدرسة وطنية تاريخية، و الغريب كان التعتيم و الخوف سبب الموقف، الذي عجل بخروجي الاختياري من التدريس بها كأستاذ زائر .
لكن يظل الفنان عبد السلام نوار منارة مضيئة في تاريخ الفنون الجميلة بتطوان و المغرب، بالرغم أن زملائه و حسب علمي لم بخصصوا لحدود اليوم ، تكريما يليق برجل أعطى الكثير لمدرسة تطوان و لم ينل حقه في الاعتبار من وزارة الثقافة و لم يصدر أي كانالوگ أو وثيقة تكون مرجعا للأجيال القادمة تنير مسار فنان كبير و مؤثر على صباغة المحمول ، كما لم تلتفت لأمثاله قط منهم التهامي الداد القصري و علي نخشة، و كأنه مجرد موظف عمل و تقاعد ، في الحين أحاطت آخرين بعناية تكريم و كلمات و شهادات ذهبت مع غبار ريح سهل المحنش، لأنها لا تشكل ذاكرة و لا تاريخا حقيقيا و منصفا للفنون التشكيلية بالشمال و لا ربوع الوطن .
هناك من سيتسائل عن جدو ى إثارة مثل هذه الأسئلة عن فنانين ‘ ظلمتهم و تآمرت على تهميشهم ‘ عصابات الفنون ‘ انها عصابة بكل ما تحمل الكلمة من جانبها الكيفي و النوعي ، و من تصله شفرة هذا الكلام هو الآن ليس مرتاحا طبعا إن كان قد استفاق من غفوته ، بل جاء دور تهميشه أيضا لكن ليس من غرباء بل ممن صنعهم و زكاهم ، ليشتغل بهم بعد رحيله من مقطورة التحكم ‘.
الفنان عبد السلام وجد نفسه في آخر لحظة ضحية محيطه من أصدقائه من الفنانين من جيله ، تنكروا له كل ما قام به من عمل في تدريس فني و تنشيط في مدينة تطوان و الوطن بل و العالم .
محمد الجعماطي.