بادئ ذي بدء نتقدم بتحية عالية إلى أسود الأطلس، وإلى كل من ساهم من قريب أو بعيد في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي المستحق وغير المتوقع، ابتداءا من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وأطرها ذات الكفاءة العالية وروحهم الوطنية الصادقة، والمدارس الكروية المحلية كمدرسة الوداد الرياضي والرجاء الرياضي بالدار البيضاء ، ومدرسة المغرب الفاسي بفاس، ومدرسة المغرب التطواني بتطوان، وكل المدارس المحلية الأخرى، وأكاديمية محمد السادس لكرة القدم بسلا جوهرة كرة القدم المغربية، كأكبر وأنجح المراكز الرياضية في العالم حسب تقرير نشر بموقع الفيفا ( 1 )، ولاعبي الجالية المغربية بدول اوروبا الغربية، ووزارة التعليم والرياضة كجهة مؤطرة للجامعة، وإلى الأشقاء في القيادة القطرية حكومة وشعبا على التنظيم الرائع والسلس لأكبر وأعظم بطولة رياضية في العالم، مبهرين شعوب كوكب الأرض بقيم وثقافة الإسلام والعرب من كرم الضيافة والتسامح والتعايش والسلام والاحترام المتبادل في اطار قيم الثقافة العربية الاسلامية، واعتبرت حسب كل المتتبعين والخبراء من احسن واجمل نسخ كاس العالم الى اليوم، فأصبحت هاته النسخة بكل مميزاتها منتوج قطري خالص “Made in Qatar ” .
فأسود الاطلس ظلت وحيدة تزأر في ساحات الملاعب، من بين مجموعات الأسود الأخرى بعد خروج أسود فارس ( إيران)، والأسود الغير المروضة (الكاميرون) من دور المجموعات، وأسود التيرانغا (السينيغال ) من الدور الثاني،والأسود الثلاثة (انجلترا) من دور الربع(2).
ولاحظنا من بعض تعليقات الإخوة المشارقة وحتى من بعض الكتاب العرب(3) الخلط في التسمية بين المحيط الأطلسي وجبال الاطلس، فالتسمية أول من أطلقها المعلق الرياضي “كمال لحلو” وتم نحتها واستلهامها من سلسلة جبال الاطلس الذي يتكون من الأطلس المتوسط والكبير والصغير، وعلى خلاف أسود السهول تتميز أسود الجبال بالشراسة وقوة البنية للبحث عن الفريسة بين المنحدرات والأعالي والقمم، ومع تألق الفريق الكروي عثر فريق من علماء الآثار تابعين للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث(I.N.S.A.P) بالرباط، وباحثين من جامعة أريزونا بالولايات المتحدة الامريكية، وجامعة ايكس مرسيليا بفرنسا على بقايا عظمية لأسد الأطلس يعود عمرها الى 100 الف سنة في موقع ييزمون ضواحي مدينة الصويرة المطلة على الساحل الاطلسي(4)، فسلسلة جبال الاطلس تمتد من الجنوب الغربي الى الشمال الشرقي بمسافة تصل الى 700 كيلومتر، ويعتبر ” جبل توبقال” أعلى قمة بالسلسة بعلو يصل الى 4167 متر، فإذا كان نهرالنيل هبة مصر بتعبير المؤرخ والجغرافي اليوناني ” هيرودوت” herodotus الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، فالجبال هي الهبة التي هيكلت التراب الوطني وأعطت خصوصية للمغرب والتي تتمثل في دورها كدرع واق من التصحر، وكخزان للمياه وكثروة بيئية (5)، كما أن جميع السلالات التي حكمت المغرب ( المرابطون – الموحدون – المرينيون – السعديون – العلويون في وقتنا الحاضر)، وضعت الجبال في قلب انشغالاتها واتخذت منها رهانا اساسيا لسلطانها (6).
ومن جهة أخرى فإن هذا الإنجاز العظيم عزز الشعور بالإنتماء القومي والمصير المشترك، وتعبير عن الانتصار على كل الانكسارات والإحباطات، فوضعنا الراهن مع كل امكانياتنا الطبيعية والبشرية والثقافية والجيواستراتيجية تفوق كل التجمعات على كوكب الارض، وصل الى مستوى من الهوان والضعف اصبحت الشعوب لا تطيقه، وكل من يشعل شمعة في نفقها المظلم تتجند للتعبير عن الدعم والمساندة والرفض والاستنكار للسياسات القائمة، فالبلاد العربية هي مهد الحضارة الإنسانية، حيث أن السومريين ببلاد الرافدين (العراق اليوم) هم اول شعب متحضر في التاريخ فله يرجع الفضل في اختراع العجلة والكتابة والمدينة والتقويم، وتعتبر مدينة أريدو ” حسب علماء الآثار والتي عثر عليها في بلاد الشرق القديم اقدم مدينة في التاريخ البشري، فحضارة اليونان التي تعتبر كنقلة نوعية في تاريخ الحضارة(7) نمت وترعرعت في حضن أبويها المتمثلين في حضارة بلاد الرافدين ومصر حسب تأكيد البروفسور ” جورج سارتون”(8) فالهندسة والفلك والتأملات اللاهوتية وهندسة المعابد والساحات للطقوس والأفراح انتقلت من الشرق القديم من بلاد الرافدين ومصر إلى أوروبا، كما أن الحكماء السبعة ومنهم “طاليس” و “فيتاغورس” كلهم انتقلوا الى الشرق للتزود بالحكمة والعلم ونقلها الى اليونان، “ففيتاغورس” مكث ببابل اثنا عشر عاما، درس فيها العلوم الرياضية والفلك والموسيقى واللاهوت البابلي.
فلا نقبل دروس في الحضارة وطريقة العيش، بل نقبل الاحترام والتعارف والتسامح والتعايش المشترك بعيدا عن الابتزاز والهيمنة والاستعلاء والعنصرية.
إن الإنجاز العظيم لأسود الاطلس ( وهنا سنستعمل مفهوم للمفكر الجزائري “مالك بن نبي”) كسر عقدة القابلية للهزيمة، وخلال اللقاء الصحفي الذي سبق مباراة المغرب قال الناخب الوطني للأسود بأن الفريق صنع التاريخ وأصبح واحدا من أفضل أربع منتخبات في العالم، وهو يمثل القارة الّإفريقية وينافس بقوة على اللقب، وألح على ضرورة تغيير العقليات التي تكتفي بالمشاركات المُشَرِّفَة فقط وعدم التنافس بقوة على الألقاب.
إن كل الشعوب الواعية والطموحة قادرة على الوصول إلى مصاف الأمم المتقدمة بشرط التسلح بالعلم والمعرفة، والتخطيط، والتقييم المستمر للأخطاء، والحكامة الجيدة، والتوزيع العادل للثروة.
فشكرا .. شكرا جزيلا مرة ثانية، أسود الأطلس لاعبين، و أطر والمدرب الرائع” وليد الركراكي” على هذا الإنجاز المذهل، والذي يعتبر ملحمة من الملاحم الوطنية السلمية جعلتم المغاربة يستحضرون أمجادهم واستعادوا بطولاتهم.
تطوان بوست / الخراز عبد المنعم